أحمد العسيلي يكتب : عن أسلمة مصر!





فى تأمّل الحوارات المتعلّقة بالخلاف بين الإسلاميين والليبراليين (وححتفظ بحقى فى عدم الرغى عن مطاطية التعريفات دى، وانتو ناس كبار وفاهمين انا بتكلم عن إيه). الخلاف ده على مسألتين أساسيتين؛ الأولى هى سهولة إستغلال التيارات الإسلامية «لِكونِها إسلامية» فى استمالة جمهور المواطنين المتعاطفين مع دينهم لاختياراتهم السياسية.
بعد الثورة طلعت التيارات الإسلامية كلّها من الجُب؛ طلعت معاهم أفكار مستنيرة وناس عايزة تشتغل سياسة عشان تفيد الوطن، وطلعت كمان للاسف أصوات كتير انا شخصيّا كل ما بسمعها بحس بانعدام إنتماءهم للوطن وإستبداله فى صدورهم بالانتماء لمشروع هدفه يعيد نوع من أنواع الخلافة الإسلامية إلى الوجود بعد إنقراضها بقرون عديدة، مهما كان تمن ذلك الحلم العنيد.
وعند الصندوق بيحصل سواء شاءوا أم أبوا، سواء استغلّوا ده أو لأ، إن فيه نسبة من الجمهور بيدعم الإختيار الإسلامى لمجرّد إحساسه إن ده واجب دينى عليه (كما سمع بعضهم لفظا بعض أولئك الشيوخ بيقولوله «إنتخب فلان أو حزبه، كى تضمن مكانك فى الجنة» وللأسف قشرية طريقة تعاطى الدين وضعف الثقافة الدينية وقلّة مصادرها بيخلّى ناس كتير تصدّق ذلك الكلام المُسيء إلى السياسة والوطن والإسلام معا.
قبل الانتخابات شفت فى برنامج الليثى مناظرة بين جميلة إسماعيل ومرشّح حزب النور عن نفس دايرتها؛ مش فاكر اسم الراجل بس فاكر انه حكى انه مالوش علاقة بالسياسة؛ هو تاجر كبير فى الموسكى، وبيقوم بأعمال خير كتير جزاه الله عنها خيرا، وده اللى خلّى الحزب الوطنى نفسه زمان يدعوه للترشّح لبرلمان 2010 مستغلّين شعبيّته اللى بيكتسبها من مساعدة الفقراء، ولكنه رفض. لكن لمّا حزب النور عمل زى الحزب الوطنى بالظبط واقترب من الرجل طالبا إنّه يَتَرشّح فى انتخابات البرلمان تحت اسم الحزب (حيث أنّه رجل مُلتحى ولابس جلباب أبيض نظيف) قَبِل العرض فورا. وكان واضح جدا من كلامه إنه فاهم ان موضوع مساعدة الفقراء ده هو الطريقة المُثلى لكسب أصوات الناخبين (حيث طبعا أن الرجل ماعندوش أى فكرة عن المسألة السياسية برُمّتها)
فحكاية إن الأحزاب الدينية أو ذات المرجعية بتكسب أصوات كَثُرَت أو قلّت بسبب التعاطف مع الإسلام أو بسبب التعاطف اللى بيخلقه شغلهم فى أعمال الخير لا يُنكره إلا كاذب. ومش شرط يكون ده بسوء نيّة، بس النتيجة واحدة فى الحالتين. وتلك هى المشكلة الأولي؛ إن ذلك التعاطف بيُخلّ بنزاهة الإنتخابات، لإن المواطن الحُر يجب ألّا يستغل أحد ولا فقره ولا جهله «ولا تعاطفه مع دينه» فى إنّه يكسب صوته؛ بل المفروض «لأنّه حُر»، إنه يختار «بما يعرف»، من يعتقد ان عنده قدرة أكبر على نفع مشروع بناء الوطن الجديد.
بالنسبة للحرية والعدالة صاحب الفوز الأكبر فى انتخابات الشعب، أنا شخصيا مقتنع ان أغلب من انتخبوه، إنتخبوه لأسباب قليلة متعلّقة بتوجّهه الإسلامى وأسباب أكتر بكتير متعلّقة بثقتهم فى قدرة الحزب الإخوانى على تحقيق نجاح لمصر، بسبب ماضيهم المناضل، وتنظيمهم، إلخ. قراءتى ان نسبة عظيمة قد تكون الأغلبية ممن انتخبوا الحرية والعدالة، بيجرّبوهم عشان بيثقوا فيهم كأصحاب مشروع وطنى، ولو لقوهم ماعندهمش مشروع وطنى بعد ما خدوا كراسى البرلمان مش حيسامحوهم.
الضلع التانى لتلك الأزمة الخلافية بين الإسلامية والليبرالية المدنية، هى مسألة الخلاف على الحرية الشخصية؛ مئات الأصوات فى المحطات وآلاف فى الجوامع بيبدو عليها انّها فعلا؛ أوّلا: بتكره الحرية الشخصية إلا إذا إلتقت مع هواها؛ وأحيانا بتكره الديمقراطية نفسها وتراها كفرا أو حراما، لإنهم بيشوفوا طريقتها بتُناقض الشريعة؛ ومع ذلك ماعندهمش أى مانع من استعمالها فى محاولة الوصول للسُلطة. وثانيا: عايزين (حالا لو أمكن، أو بعدين لمّا ربنّا يسهّل) يَفرضوا على الناس بقوة القانون إتّباع أوامر الله التى جاءت فى تشريعات الإسلام «من وجهة نظرهم». ورغى وجدل كتير وتجاهل للأصوات الإسلامية العاقلة اللى عارفة كويس «بسبب معرفتها بالإسلام» إن مافيش جَبر فيه؛ وعارفين إن ربّنا نفسه فى كتابه قال «لا إكراه فى الدين» جنب عشرات الآيات اللى بتؤكّد لمن يريد أن يرى، ان مش من حق الدولة أن تفرض إتّباع أوامر الدين على المواطن، لإن ده بيُفسِد المواطن وتديّنه، بتحويله إلى مُجبَر؛ كانّها تريد أن تُسقط عنه الحساب، وهى لا تُسقِطه عنه.
أنا الحقيقة شايف ان الإصرار على المشروع السياسى الإسلامى مضر بالوطن، وشايف المشروع ده من أهم مسببات الفُرقة اللى كلّنا شايفينها بتحصل بين المصريين، بدل ما يتّحدوا ضد كل ما يقِف فى طريق مستقبلهم. واللى مش عايز يعترف إن تقسيم الناس بناء على انتماءهم الدينى وهمّ بيختاروا اختياراتهم السياسية، مضر بالوطن؛ أنا اراه غير أمين.
أنا قلقان على مصر صحيح لكن مش خايف، ومُتَمنّى ان الإخوان مهاراتهم السياسية حتزيد كل يوم وحيتأكدوا ان تجربة الحزب الإسلامى الحاكم «بالطريقة» التركية أو مؤخرا التونسية كمان هى خيارهم الوحيد اللى ممكن ينفع بيهم مصر فعلا، إن يبقالك توجّه إسلامى بيأثر على اختياراتك انت من غير ما تفرض حاجة على حد؛ مش عارف «السلفيين» ممكن يستوعبوا الدرس ده بسرعة ولّا لأ؛ لكن حتى لو حياخدوا وقت، هُم وحدهُم غير قادرين على تغيير مسار مصر إلى الإتجاه الذى يشاءون. الإسلام موجود فى مصر من ساعة ما فتحها ابن العاص ماحدش محتاج يعرّفها عليه، وأغلب سكان الدولة دى مسلمين وأغلب أغلبها طيّبين وكلّهم تقريبا عايشين وحش، عشان عايشين فى دولة وحشة؛ واللى عايز ينفعهم، يحاول يبنيلهم دولة تخلقلهم وطن أجمل. المسألة مش مستحملة فزلكة.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad