أعلنت الإخوان المسلمين بأنهم يدرسون فكرة ضم اسم نبيل العربى إلى قائمة أسماء تنوى الجماعة اتخاذ قرار قريب بدعم واحد منها لمنصب رئيس الجمهورية.
كان اتفاقى معه أن نلتقى يوم 8 يناير فى أول حلقة من «استراحة» الشروق. جرى الترتيب فى البداية لأن يجرى اللقاء فى «الشروق» أو فى مكان تتوافر فيه شروط «الاستراحة» أى بعيدا عن زحمة العمل ومتطلباته، إلا أن تطور الأحداث فى سوريا فرض علينا أن نلتقى فى مكتبه بالأمانة العامة للجامعة ليكون قريبا من المجموعة التى تتابع عمل فريق المراقبين الموجود هناك. وصلت متعمدا قبل الموعد بدقائق لأستعيد ذكريات لعلها تساعدنى فى ربط الماضى الذى عشته فى هذا المكان بالحاضر الذى يجرى فيه هذا اللقاء.
وجدت فى انتظارى عند الباب الخارجى من يبلغنى أن الأمين العام ينتظرنى وقد طلب أن أتوجه إلى مكتبه فور وصولى. وعندما وصلنا إلى الدهليز المؤدى إلى مكتب الأمين العام أبطأت الخطوة ثم توقفت لثوان، مرت خلالها أمامى عشرات الصور تثير حنينا إلى أيام كنت أقضى ساعاتها الطوال فى مكتبى الذى كان يحتل آخر غرفة فى الدهليز. كانت سنوات نهضة فى العمل العربى المشترك، وقودها الأمل فى أن تحظى بقية دول العالم العربى ببعض ولو يسير جدا من عائد مبيعات النفط الذى ارتفع سعره أضعافا فى أعقاب حرب 1973. وقتها استطاع محمود رياض الأمين العام إيقاظ ضمائر كثيرة وبعث أحلاما عديدة عن نهضة اقتصادية وعلمية وتربوية، وقفزة سياسية إقليمية كبرى نحو مستقبل زاهر للأمة العربية. جمعتنى فى هذا الدهليز مع محمود رياض وعبدالرءوف الريدى وسميح صادق وخلاف ومحمد الفرا حماسة وأحلام حتى جاءت اتفاقية كامب دافيد فافترقنا، وراح كل منا يبحث عن آمل آخر فى مكان آخر.جميل مطر
ظهرت الجامعة العربية بدور متميز فى العالم الخارجى مع عمرو موسى وتواكب الآن التطورات الثورية فى العالم العربى وتنفذ فى سوريا مهمة غير مسبوقة فى تاريخها
سألته، وكان فنجان القهوة قد استقر فى يدى، والدخان يتصاعد من كوب الشاى الذى طلبه لنفسه ولم يلمسه، إن كان حقا يرى فى المرحلة الجديدة التى يمر فيها العالم العربى ما يجعله متحمسا للعمل كأمين عام للجامعة. كنا قد تناقشنا فى لقاء سابق حول أفكار لإثراء العمل العربى المشترك وإصلاح أساليب عمل الجامعة، أفكار حملها معه من عالم التنظيم الدولى الذى عاش فيه معظم سنين عمله ومن دنيا القانون الدولى وكواليس محكمة العدل الدولية وخبرته الدبلوماسية.
قال: أظن أنك تتفق معى فى أنه حصل تغيير جذرى فى طريقة تفكير الشعوب العربية فى حالها ومستقبلها، ويحصل حاليا وبكثافة شديدة تغيير آخر فى التركيبة السياسية فى كل دولة على حدة، بل وفى الوضع السياسى كله فى العالم العربى. وكلاهما يقضى بأن يكون للجامعة دور غير عادى، ليس فقط لأن الظرف غير عادى ولكن أيضا لأن مرحلة فى تطور العالم العربى انتهت أو أوشكت على الانتهاء، ولن تعود. وجاءت مرحلة جديدة تتطلب فكرا مختلفا وأساليب مختلفة وقيادات مختلفة.
●●●
أعرف عن نبيل العربى ما يعرفه كثيرون، ولكنى أعرف أيضا ما لا يعرفه إلا من رافق دربه رفقة متصلة عبر عشرات السنين، وهؤلاء قليلون.
أعرف شيئا عن صلابته ومرونته، وشيئا عن طموحه وتواضعه، وشيئا عن زهده وحبه للحياة. كان لقاؤنا الأول فى مكتب مدير المستخدمين فى وزارة الخارجية، عندما كانت الوزارة بأكملها تشغل القصر القريب من ميدان التحرير. ذهبنا فى صحبة والدينا لنسمع من المدير اعتذاره عن عدم قبول طلب الالتحاق بالوزارة بسبب صغر السن. وبعد التعيين شاءت الظروف أن نعمل معا فى سفارة مصر لدى الكورينال، رئاسة الحكومة الإيطالية، فى روما.
●●●
تبادلنا حديثا طويلا عن تطوير عمل مؤسسات الجامعة العربية، والأشكال والخطط العديدة التى اتخذها هذا التطوير على مدى عقود. قاطعنى أكثر من مرة ليشيد بمرحلة عمرو موسى فى إدارة الجامعة العربية. قال فى إحدى مقاطعاته: لقد قامت الجامعة أثناء ولاية عمرو موسى بدور متميز فى العالم الخارجى، بل أستطيع القول إنه وضعها على خريطة العالم السياسية.
كذلك أنشئت فى عهده مؤسسات كثيرة كالبرلمان العربى. المطلوب الآن أن تقوم الجامعة بدور ومهام تواكب التطورات الثورية أو الاستثنائية التى يموج بها العالم العربى. تذكرت، وهو يأتى على ذكر الثورة، أياما صعب أن تنسى. كان الطابق السادس فى مبنى «الشروق» يعج بالحركة. جماعة تناقش وتطالب، وجماعة تنتحى جانبا تكتب بيانات وتصيغ مطالب، وجماعة تمسك بهواتف تصرخ من خلالها أو تستمع إليها. مرتان أو ثلاث حسب ما أذكر كلف الحاضرون كلا من الدكتور كمال أبوالمجد والدكتور نبيل العربى بالتوجه إلى المجلس العسكرى لطلب التدخل لحماية ثوار التحرير.
توجد، بدون شك، علاقة بين تجربة الثورات العربية والطموح لتطوير الجامعة العربية، أليس كذلك؟ أجاب الدكتور العربى قائلا «إن النفوذ الكبير الذى أصبح لقوى المجتمع المدنى العربى يفرض على أى مسئول عربى أخذه فى اعتباره عند اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية. لم يعد ممكنا أن تؤخذ قرارات أيا كانت طبيعتها فى غرف مغلقة أو بين مجموعة من المسئولين دون مراعاة ضغوط القوى العديدة التى تشارك فى الساحة السياسية أو دون مراعاة ردود فعلها لأى قرار يصدر فى غيابها».
●●●
الزائر الذى اعتاد على أسلوب الحركة فى مكتب الأمين العام لن تفوته ملاحظة أن أعضاء المكتب يقومون هذه الأيام بمهمة لم يقم بها من سبقوهم فى العمل بهذا المكتب، بل إن الجامعة العربية، كأمانة عامة وإحدى وعشرين دولة، لم تنفذ يوما فى تاريخ النظام العربى مهمة مماثلة. لم يحدث أن قامت الجامعة بتحمل مسئولية التدخل فى شئون دولة عضو من أعضائها باستخدام حجة الأغراض الإنسانية. كما أنه لم يحدث فى أى مرحلة من مراحل تطور الجامعة، والعمل العربى المشترك بصفة عامة، أن تدخلت دولة أو مؤسسة عربية فى دولة عربية برضاها وموافقتها لحماية شعبها من تجاوزات سلطة متهمة بأنها «مستبدة». أقرب تحرك قامت به الجامعة إلى التحرك الذى تقوم به حاليا كان حين قررت القمة العربية فى عام 1976 إرسال قوات ردع عربية للعمل على وقف الحرب الأهلية فى لبنان. أما كيف ومتى تدخلت الجامعة العربية فى الشأن السورى، فيقول الأمين العام:
تسلمت عملى فى الجامعة يوم 3/7، وبعدها بستة أيام اتصلت بإخواننا السوريين مستنكرا ما يحدث هناك، ومستنكرا حقيقة أن لا أحد فى العالم العربى أو فى سوريا نفسها يتحرك لوقف ما يحدث. طلبت وزير خارجية سوريا، الذى نصحنى بمقابلة الرئيس بشار. وبالفعل اتصلت بعد قليل لطلب مقابلة مع الرئيس السورى، وكان هذا يوم 13/7، وبمبادرة منى ودون استشارة مجلس الجامعة أو أى دولة عربية، وعلى كل حال لم يكن هناك فى ذلك الوقت من يريد أن يتكلم فى الموضوع».
هناك فى دمشق طالب الأمين العام بوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين وتكلم معهم فى دفع تعويضات للمتضررين وإطلاق الحريات والسماح للإعلام الأجنبى بتغطية الأحداث. بل وطالب بالبدء فورا فى إجراء إصلاح سياسى حقيقى. «استمع الرئيس السورى ووعد بأن ينظر فى جميع هذه الأمور مما دفعنى للإدلاء بتصريح أعرب فيه عن سعادتى». ما لم يصرح به الأمين العام من قبل هو أنه اكتشف بعد عودته أن الدول العربية مترددة حول شكل التعامل مع الأزمة. ثم تأكد من هذا التردد حين اجتمعت هذه الدول فى شهر أغسطس ووضعت مبادرتها وشكلت وفدا من ستة وزراء والأمين العام ليذهبوا إلى سوريا. وقبل موعد الرحيل بقليل فوجئ الأمين العام بالوزراء يعتذرون عن عدم الذهاب وتنفيذ المهمة التى كلفوا أنفسهم بها، واضطر الأمين العام للسفر منفردا حاملا معه المبادرة. وما زاد من ضيق الأمين العام أن جهة ما سربت المبادرة إلى صحيفة عربية تصدر فى لندن لتنشرها قبل أن يسلمها الأمين العام إلى الرئيس السورى.
لم تفاجئنى الرواية كما فاجأت الأمين العام فقد وعيت درسا مهما خلال انشغالى بأحوال العرب وهو أن السرية ليست من الصفات التى يعتز بها أو يحترمها أكثر العاملين والقادة فى حقل العمل العربى المشترك. ما أكثر محاضر جلسات القمة العربية التى نشرتها الصحف واحتوت على إساءات بالغة لقادة الأمة وأفسدت مصالحات.
لا يمكن للجامعة أن تدعو الأمم المتحدة للتدخل.. ولا توجد ثروة سورية لدفع فواتير الحرب المحتملة.. ومبادرة الجامعة العربية علاج بالدواء وليس بالمشرط
أشفق على باحثين وأكاديميين يحاولون الاقتراب من «المشكلة السورية»، وأقصد بالمشكلة السورية جميع ما يتعلق بموقع سوريا فى شبكة العلاقات الإقليمية والدولية. أشفق عليهم لمعرفتى بالصعوبات المحيطة بأى محاولة لفهم مكونات الدور السورى وطبيعته وعلاقته بالتكوينات السورية الداخلية. أشفق أيضا على السياسيين العرب والأجانب الذين تدفعهم مسئولياتهم للتعامل مع السياسة الخارجية السورية، وما يتعلق بها من سياسات إقليمية. لذلك تمنيت لو أن الظروف سمحت للصديق نبيل العربى أن يبدأ مسيرته فى الجامعة العربية بقضية أخرى غير قضية تتعلق بسوريا.
أظن أن الأمين العام فوجئ بعد زيارته الأولى لدمشق حين طالب تيار سورى معارض بتدخل دولى على غرار التدخل الذى حدث فى ليبيا. علق على هذا الظن من جانبى بقوله: «كان هناك بعض الرافضين للتدخل الدولى فى تيارات معارضة أخرى على أساس أن التدخل سيدمر البلد. حاولت أن أشرح لطالبى ومؤيدى التدخل الدولى أن الجامعة ليست فى حاجة لتحويل الملف إلى مجلس الأمن. شرحت للكثيرين أن الطلب إلى الجامعة أن تدعو الأمم المتحدة للتدخل كلام وهمى ويدل على عدم دراية جيدة لأسلوب العمل فى المنظمة الدولية. فالموضوع، باعتباره أزمة حادة، معروض بالفعل أمام مجلس الأمن، ثم أن مجلس الأمن ليس فى حاجة إلى إحالة أى موضوع عليه. مجلس الأمن لديه صلاحيات كاملة طبقا للميثاق أن يتدخل فى أى مكان فى العالم حتى دون إذن من الدولة المعنية. ولا أذكر أن مجلس الأمن استأذن أحدا لإحالة ملف أزمة من الأزمات عليه».
●●●
انتقل الحديث إلى أوجه الاختلاف بين الحالة السورية والحالة الليبية. ليس خافيا فى كل الأحوال أن الدول الكبرى إذا أرادت التدخل ستتدخل كما فعلت فى أزمة البوسنة عندما رفض الاتحاد السوفييتى أى دور لمجلس الأمن. «هذه الدول لا تريد التدخل فى سوريا لأسباب ثلاثة على الأقل، أولها أن العالم الغربى منهك، وثانيها أن أمريكا وفرنسا مقبلتان على انتخابات رئاسية، وثالثها أن سوريا على عكس ليبيا لديها جيش قوى وجغرافيتها وتركيبتها مؤثرة فى كل ما حولها، وخامسها أنه لا يوجد نفط فى سوريا، بمعنى أنه لا يوجد لدى سوريا الثروة الكافية التى تسمح لها بدفع فواتير الحرب للدول التى تشارك فيها». ما لم يقله صراحة هو أنه لا توجد مصلحة مادية مغرية للدول الكبرى لتتدخل عسكريا فى سوريا.
سمعته يشرح لطالبى التدخل الدولى، وأغلبهم كان رافضا الدور العربى. قال لهم إن الأزمة فى سوريا تشبه حالة رجل مريض يحتاج لعلاج. يمكن علاجه بعملية جراحية وهذا فى يد مجلس الأمن، ومعه المشرط، ولكن لا أحد من أعضاء المجلس مستعد للإمساك بالمشرط وإجراء العملية. أما نحن فى الجامعة العربية وعن طريق مبادرتنا فنعالج بالأدوية ومقتنعون بأنها أفضل وأكفأ وأقل تكلفة من حيث الخسائر فى البشر والتداعيات المتوقعة.
●●●
كان رأيى منذ البداية أن دمشق اختارت تعقيد مهمة نبيل العربى لأسباب يقدرها ويعرفها القريبون من النظام هناك والمتابعون بانتظام السلوك السياسى لقادة حزب البعث. وهو الرأى الذى لم يتحمس له الصديق نبيل وأصدقاء آخرون لعبوا أدوارا نبيلة خلال الأسابيع الأخيرة رغم أكثر من دليل قدم لهم.
كان رأيى أيضا أن بعض فصائل المعارضة لم تتمتع بفضيلة الصبر والنفس الطويل حين بدأت تضغط منذ الأيام الأولى للأزمة لاستدعاء التدخل الدولى. بعض هؤلاء تخيلوا سيناريوهات للتدخل الدولى لا تمت للواقع والظروف الدولية والإقليمية بصلة. لم يحللوا بالعمق الكافى تداعيات الكارثة الليبية وعواقب الوصاية الدولية المفروضة حاليا على ليبيا، وصراعات الميليشيات وبعضها بالفعل ممول من قوى عربية وأجنبية.
من ناحية أخرى رفض الكثيرون الدخول فى تجربة لم تقدم عليها الجامعة من قبل، وهى ارسال فريق من المراقبين إلى سوريا، وهى الفكرة التى تبناها الأمين العام واعتبرها المدخل العربى المناسب لطمأنة الشعب السورى ولجم قوى القمع والعنف.
العربى: استخدمت علاقاتى بروسيا لتتحـــــدث مع دمشـــق والمراقبون واجهوا إطلاق النار من الجانبين ولم يجدوا قيادات واضحة من المعارضة للحوار معهم
كانت مهمة المراقبين، وجلهم حسب رأى الأمين العام أكفاء ويجب الإشادة بهم وبشجاعتهم، تقضى بأن يتأكدوا من وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين واختفاء المظاهر العسكرية أو ابتعادها عن المدن، وأن يتيقنوا من أن وسائل الإعلام العالمية والعربية تجوب بحرية. يعترف الأمين العام أنهم لم يجدوا شيئا من هذا تحقق. المعتقلون يفرج عنهم «بالقطارة»، ويقال إنهم بعشرات الآلاف، رغم أن اللجنة الوطنية برئاسة نائب وزير الخارجية السورية أبلغت الفريق الدابى أنه «خلال يوم أو يومين سيصدر الرئيس الأسد عفوا عاما عن المعتقلين لمشاركتهم فى أحداث سياسية»، وهو ما لم يحدث. وتقضى الصراحة، كما يقول الأمين العام، بالاعتراف بأن القصف بالأسلحة الثقيلة صار أقل، وازداد عدد المشاركين فى المظاهرات.
سألت الأمين العام عن طبيعة المشكلات التى قابلت فريق المراقبين ولم يكونوا مستعدين لها. قال: «ما لا يعرفه الكثيرون فى عمل المراقبين هو أنهم واجهوا تعقيدات لم يتوقعوها، مثل إطلاق النار من الجانبين وليس من جانب واحد حسب ما جاء فى تفاصيل مهمتهم.. فقد ذهبوا إلى هناك على أساس أن البروتوكول موقع مع الحكومة وأن المعارضة غير ملزمة بشىء». وأضاف أنه من أهم المشكلات التى تواجههم أنه لا توجد قيادات واضحة للمعارضة يستطيع المراقبون أن يتحدثوا معها.
●●●
أعرف من ممارسات سابقة وعن خبرة فى عمل الأمانة العامة للجامعة العربية أنها لا تملك وسائل للضغط على حكومات الدول الأعضاء لتنفيذ وعودها والتزاماتها. ومع ذلك سألت الدكتور نبيل إن كان حاول الضغط على دمشق لتسهيل عمل المراقبين وتذليل المشكلات وتنفيذ ما تعهدت به فى البروتوكول، قال «استخدمت علاقاتى بروسيا لتتحدث موسكو مع دمشق». ولم يزد. سألته عن علاقته بأطراف المعارضة وكنت قد توقعت منذ بداية الثورة أنها لن تكون سلسة. قال إنه رغم كل محاولاته تذليل الصعوبات والتوفيق بين تيارات المعارضة المنقسمة على نفسها لم تتحسن العلاقات بينها ولكن لم يصبه اليأس. يشكو قائلا «كنا نتقابل مع المعارضة وهى نفسها التى تشتمنا فى الخارج ثم تأتى وتجلس معنا هنا. أحد قادة المعارضة شتم الجامعة العربية واتهمها بالفشل ولكنه استمر يعرب عن سعادته الفائقة فى نهاية كل اجتماع يحضره معى وزملائى».
لا أظن أن نبيل العربى يبالغ حين يعتبر ما يحدث الآن بين الجامعة وسوريا، تجربة رائدة، لأنها أى الجامعة، تحركت حسب رأيه «من قوقعة البيانات الخاوية التى لا تؤثر.. نحن الآن نتحرك، وربما لأول مرة، بناء على ما نعتبره مخالفات جسيمة لحقوق الإنسان». ويكرر مشددا على أن» ما حدث فى ليبيا كان حربا، أما ما يحدث فى سوريا فهو مخالفات جسيمة لحقوق الإنسان. ولذلك جاء تحركنا أول تحرك جماعى عربى على الأرض لمواجهة مخالفات جسيمة ولوقف حلول قمعية فى مواجهة الجماهير.
غير صحيح أن الدوحة أحبطت جهود الجامعة
كان لابد أن أفتح موضوع قطر وبخاصة بعد أن أصبحت الجوهر عند مناقشة أى قضية عربية. راعيت تماما حساسية علاقته بالدول الأعضاء ولم ألح وتركت له حرية مناقشة الموضوع. ومع ذلك يبدو أنه كان فى انتظار فتح الموضوع إذ سارع بالرد على ما يتردد من أن قطر تقود الجامعة العربية فى غياب اهتمام أكثر الدول العربية نظرا لحساسية الأزمة السورية وخطورتها وارتباطها الوثيق بمصالح دول الجوار، أى تركيا وإيران وإسرائيل.
قال «قطر مثل أى دولة عضو فى الجامعة تقترح، وإذا وافق بقية الوزراء على ما يقترحه رئيس الوفد القطرى يكون القرار عربيا صادرا بموافقة 21 دولة وليس قرارا قطريا. غير صحيح أن قطر أحرجت الجامعة أو أحبطت جهودها كما تردد بعض الصحف العربية والأجنبية.
●●●
توقف الكلام عندما وصلت رسالة دفعت بالدم الغاضب إلى وجه الأمين العام. الرسالة من دمشق وتفيد بوقوع اعتداء على مجموعة من مراقبى الجامعة العربية وتشكو الأمن السورى الذى لم يتقدم لحمايتهم من الاعتداء.
انتهينا إلى ضرورة عقد لقاء قريب نناقش فيه بتفصيل أوفر الأمور المتعلقة بأزمة اليمن وقضية البحرين وتطورات عرض القضية الفلسطينية فى الأمم المتحدة وأحوال الثورة المصرية وتطوير الجامعة والعمل العربى المشترك.
●●●
تريثت عند باب المكتب أسأل نفسى وأسأله إن كان خطر على الذهن، ذات ليلة أثناء تناولنا قهوة الاسبريسو فى المقهى الكائن فى ميدان أونجاريا القريب من السفارة فى روما، أننا سنعيش لنشهد ثورة، وأن هذه الثورة ستأتى بنبيل وزيرا للخارجية ثم أمينا عاما للجامعة العربية ثم مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية.
كنا فى الخامسة والعشرين من عمرنا.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
0 التعليقات: