النسخة العربية من حكاية وائل غنيم مع 25 يناير







إنه مؤسس صفحة «كلنا خالد سعيد»، التى أسست لاستنكار قتل شاب مصرى جراء وحشية اثنين من الجهاز الأمنى. والتى يمكن أن توصف بحق بأنها المحفل الأول والأوسع لبواكير شرارات ثورة 25 يناير التى فتحت باب التغيير فى مصر، ربما ليس على مصراعيه، ولكن بالتأكيد إلى غير رجعة.. وائل غنيم مهندس الكمبيوتر الثلاثينى الذى ارتبط اسمه بدفة القيادة الالكترونية لثورة 25 يناير التى هى بالتأكيد ــ وكما يقول هو ــ ثورة بلا قائد مفدى. لأن كل من قام بها هو بطلها الأول وقائد صفوفها التى قدمت تضحيات هائلة.

لم يكثر غنيم من الأحاديث التليفزيونية خلال الثمانية عشر يوما التى غيرت شكل الحياة السياسية فى مصر فيما بين الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى الحادى عشر من فبراير فى العام ذاته، وكذلك لم يفعل بعد أن انتهى حديث الثورة، أو على الاقل الفورة الأولى لها، وبدأ حديث المرحلة الانتقالية من عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، الذى أجبرته الملايين من المصريين الذين انضموا للثورة العام الماضى على التنحى بعد حكم دام قرابة العقود الثلاثة، إلى عهد مصر التى لا يرتبط اسمها باسم رئيسها القادم ولا يمكن لهذا الرئيس أن يوغل فى الحكم إلى منتهاه.

اختار غنيم أن يجمع ذكرياته عن أيام الثورة فى كتاب يصدر بالإنجليزية فى السابع عشر من الشهر الحالى عن دار إيتش إم إيتش، وتقوم الآن دار الشروق للنشر بإعداد نسخته العربية ليكون بين يدى القارئ المصرى والعربى خلال أيام مع بدء الدورة المقبلة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، يوم يكتمل مرور عام على نزول الملايين من المصريين لميدان التحرير وغيره من ميادين مصر للمطالبة بإنهاء القهر الناجم عن الحكم السلطوى، ثم المطالبة بإنهاء الحكم السلطوى ذاته ومحاكمة من قاموا عليه وإحلاله بحكم يقدم للمصريين «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».

«الثورة المصرية.. قوة الشعب تسقط سلطة الحكم»، هكذا يمكن ترجمة العنوان الإنجليزى لكتاب غنيم الواقع فى قرابة الـ300 صفحة من القطع المتوسط، فى نسخته الأصلية، والذى تتصدره صورتان: إحداهما لشاب مصرى يقف على أحد أعمدة الإنارة فى ميدان التحرير وهو يرفع علم مصر عاليا ــ على ما توجزه هذه الصورة من وقفة تتجاوز فيها نشوة الوطنية حسابات السلامة ــ وصورة اخرى لمئات وسط  مئات الألوف من المصريات والمصريين فى ميدان التحرير بوسط القاهرة بينما هم معا يرفعون علم مصر كبيرا وخفاقا وزاهى الألوان ــ على ما فى ذلك من رمزية انجاز التلاحم والعمل الجماعى التى يحرص غنيم على تأكيدها فى كل من الفصول التسعة لكتابه بوصفها المحرك الحقيقى للثورة.

كتاب غنيم هو ربما صفحات من مذكرات لواحد من شباب مصر الذين اختاروا، وبصورة تصاعدية حركتها الأحداث كما حركتها خبرات هؤلاء الشباب وخياراتهم، أن يسعوا نحو التغيير الذى بدا لكثيرين منهم وبالتأكيد لأجيال سبقتهم أمر غير وارد إلى حد كبير.

فى الوقت نفسه فإن هذا الكتاب يمنح القارئ، المصرى بالذات، فرصة لتجميع التسلسل لكثير من التفاصيل التى يعرفها عن الثورة وربطها بتفاصيل أخرى لم يعرفها لتكتمل الصورة أمام عينه، كما أنه أيضًا يمنح القارئ الأجنبى الذى ربما تابع أخبار مصر وثورتها دون دراية بالسياقات الكاملة لما تابع، فرصة ليؤصل اسباب الثورة وليعى حماسة الشباب الذين خلقوا جنينها.


البدايات المتعددة للثورة

يمكن لمن يقرأ كتاب غنيم أن يختار الفصل أو النقطة التى يبدأ منها القراءة والنقطة التى ينتهى عنها. لأن ثورة 25 يناير، كما يمكن لقارئ هذا الكتاب (المذكرات) أن يخلص، كانت لها العديد من البدايات الحتمية.

أحد الخيارات أمام القارئ أن يتبع الخط الذى اختاره غنيم نفسه والذى يبدأ ساعة القبض عليه من عناصر جهاز امن الدولة مع الانطلاقة الأولى للثورة وما تلى ذلك فى الفصل الأول للكتاب الذى يحمل عنوانا يمكن ترجمته إلى العربية بـ«نظام الخوف ــ النظام الذى يخيف معارضيه ويخشاهم» لينتهى مع الفصل الأخير «الفرعون يسقط» والذى يكشف عن جانب ــ من جوانب كثيرة مازالت تنتظر أن يكشف عنها ــ من أحداث الأيام القليلة، بل الساعات القليلة، السابقة على ظهور عمر سليمان ــ مدير المخابرات فى عهد مبارك والنائب الوحيد لرئيس الجمهورية الذى لم تطل مهمته عن أيام ــ إن مبارك «قرر التنازل عن مهام منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد» بعد أقل من أربع سنوات من 6 أبريل 2008 اليوم الذى شهدت فيه المحلة الكبرى إضرابًا كبيرًا لعمال مصانعها شهد أول سقوط لصورة كبيرة من صور مبارك العديدة التى كانت توضع فى شوارع كل محافظات الجمهورية.

يمكن أيضًا للقارئ أن يختار البداية من الفصل الثانى المعنون «البحث عن المخلص» الذى يقدم رؤية غنيم لما كان من عودة محمد البرادعى ــ المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية ــ إلى مصر ودعوته للتغيير، أو من الفصل الثالث «كلنا خالد سعيد»، صفحة الفيس بوك الملهمة لإطلاق الثورة والتى أسسها غنيم دون أن يعلن عن نفسه خشية التتبع الأمنى وتبعاته.

أو يمكن للقارئ حتى أن يبدأ من الفصل الخامس عن الأسابيع قبيل «الثورة المعلن عنها مسبقًا» أو الفصل السادس عن اولى ساعات الخامس والعشرين من يناير مع بدء وصول أول المشاركين فى المظاهرات إلى مشارف ميدان التحرير وعندما كتب غنيم على صفحة «كلنا خالد سعيد»: «يا أصدقاء إننا الآن نحو 300 ويجب أن يزيد هذا العدد ليصل إلى مائة ألف... يجب أن نتحد فى وجه من يقمعوننا».

البداية الثانية، كما يبدو من كتاب غنيم، جاءت مع التحول التدريجى للعديد من الشباب المصرى الذى كما غنيم نفسه ولد فى الثمانينيات من القرن الماضى، وقت أن كان مبارك يطرق أبواب حكمه المديد بعد، لإدراك ما حل بهم ثم تحول بعضهم، أيضًا كما غنيم نفسه، من «المعارضة السلبية إلى الوقوف فى الصفوف الأولى للثورة».

البداية أيضًا يمكن أن تكون مع ما يدونه غنيم عن مقتل خالد سعيد فى الإسكندرية والتفجير الواقع أمام كنيسة القديسين فى الإسكندرية والذى أودى بحياة 40 شهيدا وما أعقبه من مقتل سيد بلال أيضًا على يد رجال الشرطة تحت وطأة التعذيب  وما بين الوقائع الثلاث هذه من تداعيات متوازية لضرورة إصلاح حال الوطن وحتمية أن يبدأ هذا الاصلاح من إنهاء العلاقة المؤسفة للشرطة مع الشعب والتى تحولت معها، وبسبب رغبات النظام الحاكم ومصالحه، الشرطة من خدمة الشعب إلى قهر الشعب، كما فى حالة اعضاء جماعة الإخوان المسلمين بل وحالة غنيم نفسه خلال 12 يومًا من التوقيف القسرى، بل وأحيانا إلى قتل الشعب، كما فى حالتى سعيد وبلال.

الأرجح، ربما، أنه أينما اختار القارئ أن يبدأ فسيخلص فى النهاية أن البداية ثورة 25 يناير، التى لا ينكر غنيم أنها فاجأت من قاموا بها قدر من سقطوا جراءها، جاءت على يد النظام الذى أسقطته الثورة نفسه عندما وصل بالوطن إلى حالة من التراجع لم يعد قادرا معها أن يوفر لأبنائه تعليما مناسبا ينمى قدراتهم أو إعلاما يحترم عقولهم أو سياسة يعنون بها ويهتمون بالانخراط فى عوالمها ــ ذلك التراجع الذى يختزله غنيم فى سطور موجزة يروى فيها فى أولى صفحات كتابه اقتياده معصوب العينين مكبل اليدين إلى أحد مقار أمن الدولة فى إشارة إلى أن «الظلمة الكاملة فى حضرة رجال أمن الدولة» لم تكن حال غنيم وحده ليلة القبض عليه ولكن حال الوطن بأسره عندما وقعت الثورة.

وعلى ذلك أن فيما يرويه غنيم فى كتابه عن بدايات الثورة هو فى الأرجح من المعاش والمعروف والمكتوب عنه مئات ومئات الأسطر فى الصحف اليومية إلا أن الأكيد أن طرح هذه الوقائع من خلال رؤية شاب تابعها وتأثر بها ثم أثر فيها وحركها يصبح فى ذاته ما يدعو إلى إعادة قراءة الأحداث بصورة أو أخرى.

الحقيقة الأكيدة، وايما كانت نقطة البدء عند القارئ، فإنه لابد فى النهاية أن يتفق مع ما يقرره الناشر للنسخة الأصلية عندما يقول فى تصديره لكتاب غنيم أن «شباب مصر صنع التاريخ عندما تمكن من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت من تحديد موعد لثورة ودعوة أكثر من مليون مصرى للمشاركة فيها» ــ فى مخالفة لأعراف الأمور التى تقول إن الثورات لا تأتى بموعد محدد أو إعلان مسبق.


التعاطف مع الثورة

تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الثورة، هو الهدف الذى يسعى إليه غنيم اليوم ــ عاما تقريبا بعد أولى تظاهراتها الحاشدة ــ مع عدد من النشطاء، من خلال مجموعة تحمل اسم «مصرنا»، آلمهم واقلقهم حال التنافر المتنامى، فى الأغلب بفعل فاعل، بين الشعب الذى وهب الثورة كيانا فارعا مورقا وبين الشباب الذين كانوا ومازلوا أصل هذه الثورة ومنبتها.

وكتاب غنيم هو بصورة، لم تكن متوقعة عندما اتفق على أن يعده قبل أربعة أشهر، إسهامًا فى استعادة التعاطف والالتحام مع ثورة 25 يناير من خلال ما تحمل صفحاته من تفاصيل قاسية عن أيام اعتقاله الـ12 يوما، تحت اسم «رقم 41»، فى أمن الدولة التى وصلها بعد أن ركله أحد الضباط الذين اقتادوه معصوب العينين وهو يقول له «اخرج يا ابن....»، وبما يذكر به من لقطات مفزعة لجثة خالد سعيد وجثة خالد بلال وجثث لشباب آخرين سقطوا قتلى ومعاقين وفاقدى للبصر جراء الهجوم عليهم من قبل قوات أمن ــ هى أيضًا كما يذكر غنيم واقعة تحت قمع النظام السلطوى بل وفى فئات منها، وكما ينقل الكتاب، متعاطفة مع الثورة ومن بادءوا بها ــ وبما يستحضره من لحظات اليأس والرجاء التى حلت بميدان التحرير عبر 18 يومًا.

الإفصاح عن لحظات الخوف والقلق والتردد التى مرت بغنيم وهو يعمل خافيًا هويته، ومرتعبًا من أن تكشف، لحشد الرفض ضد ممارسات النظام والسعى نحو المطالبة بإنهاء القمع هى ايضا مما يطل على القارئ بدعوة لاستعادة التعاطف ــ خاصة فى تسجيل مشاهد لقاء والدة خالد سعيد بغنيم واحتضانها له وهى تقول «ابنى خالد لم يمت، انت ابنى خالد» ،وفى حديث غنيم نفسه مع إسراء، ابنته، وهى الوحيدة التى لديها كلمة السر لهاتفه الخلوى والتى تستخدمه للتسلى بأحد الألعاب الإلكترونية عليه، يوم 23 يناير قبيل مغادرته دبى حيث يعمل ويعيش للقاهرة حيث يبدأ التظاهر لرفع الظلمة عن الوطن، بل وأيضًا فى حكاية أحد ضباط التحقيق أمن الدولة الذى قرر أن يمنح غنيم ملابس داخلية نظيفة وأن كانت مستخدمة ليستبدل بها ثيابه التى اتسخت إلى درجة أصابت جسده بتسلخات بعد اغتسال سريع.


كيف نجحت ثورة يناير؟

بعد عام من قيام الثورة مازال السؤال المتعلق بـ«كيف نجحت هذه الثورة» يلح على الكثيرين، وفى كتاب غنيم بعض الاجابات المحتملة وان كانت غير المباشرة.

خواء النظام وقوته الزائفة هى الاجابة الاولى بل وربما الطاغية عبر الصفحات الـ300 لكتاب غنيم. فالنظام غير مستعد إلا لقمع المعارضة الجادة، خاصة الإسلامية التى تتمتع بأرضية واسعة، وإلقاء أصحابها فى السجون، والنظام لا يستطيع أن يكون من بين العاملين تحت مظلته شخصيات لها دور يثنى عليه الشعب ويقدره فيتخلص من عبدالحليم أبوغزالة ومن كمال الجنزورى ومن عمرو موسى، والنظام لا يستطيع إلا أن يشوه من يجاسر على تحديه فيشن حملة شعواء ضد البرادعى ليجعل الرجل يبدو كما لو كان خائنًا عميلًا يريد بمصر الشر لا الإصلاح، والنظام بحزبه الحاكم لا يعرف إلا لغة السيطرة والقمع، السيطرة من خلال الإعلام المجير والأقلام المأجورة والقمع من خلال أمن الدولة ــ ولكن الإعلام المجير والأقلام المأجورة وآليات القمع الفظيعة تخذل النظام لأنها كما النظام نفسه ــ حسبما يطرح غنيم فى كتابه ــ خاوية من القدرة الحقيقية.

فعندما جاء الاستدعاء الأول لغنيم من قبل امن الدولة قبل الثورة بسنوات قليلة كان كل اهتمام من استجوبه منصبًا على مصير تعاطف سابق جمع مهندس الكمبيوتر وهو بعد طالب فى الصف الثانوى وفى الجامعة مع بعض النشاطات الإسلامية، كما غيره من أبناء جيله خاصة هؤلاء الذين كانت لهم نشأة أولى فى السعودية أو غيرها من بلدان الخليج العربية.

«العقيد رأفت الذى سألنى عن نشاطى الدينى لم يخطر بباله فى حينه أن يسألنى عن نشاطى على الشبكة العنكبوتية، ولو انه وغيره من هم مثله فكروا مليا لأدركوا يكف يستعدون للتسونامى الرقمى الذى واجههم فيما بعد»، هكذا كتب غنيم.

لكن رأفت ــ وذلك ليس اسمه الحقيقى كما يذكر غنيم لأن ضباط أمن الدولة لا يفصحون عن هويتهم لمن يحقق معهم ــ وأمثاله، ممن خذلوا النظام طويل الأمد فى البقاء فى السلطة، كانوا أيضًا غير قادرين على التفاعل مع التفاعلات الرقمية للثورة والتى كانت هى بداية التظاهرات ــ خاصة مع الوقفات الصامتة التى شهدها كورنيش الاسكندرية فى صيف 2010 تضامنًا مع مقتل خالد سعيد ــ وصولا للدعوة العلنية إلى موعد للثورة فى الخامس والعشرين من يناير ومكانًا رئيسيا لها فى ميدان التحرير وسط القاهرة وما تلى ذلك حتى اليوم الذى تنحى فيه مبارك.

ونظراء رأفت فى جهاز الإعلام، المكمل لجهاز الأمن، على حد قول غنيم، أيضًا كان من الخواء إلى الدرجة التى لم يستطع معها التفاعل مع مجريات العنف الوحشى الذى مارسه الأمن ضد المتظاهرين والذى تسبب فى إحراج دولى للنظام، الذى يذكر غنيم، بأنه «كان دوما يروج لنفسه بانه نظام يسير بالبلاد صوب الديمقراطية والحريات السياسية والمدنية»، كما أنه «كان نظامًا يخشى على صورته (فى الخارج) أكثر بكثير مما يحرص على مواطنيه».

والخواء أيضًا، كما يخلص قارئ كتاب غنيم، كان أيضًا حال رجال الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم تحت رئاسة مبارك لأن زعماءه لم يتمكنوا من حسن تقدير الموقف فضللوا انفسهم وضلوا ولأن أجهزة العلاقات العامة كانت مفضوحة الفعل فى محاولتها النيل من الثورة ولأن من بقى مخلصًا فى نفسه لأسباب التغيير والإصلاح لم يكن مقدرًا له أن يمكن من الفعل على الإطلاق.

وبعكس خواء النظام فإن من قاموا بفعل الثورة من الشباب ــ وإن كثيرا منهم بدأ مثل غنيم غير معنى مباشرة بالسياسة ولكن راغب فى أن يلعب دورًا فاعلًا فى أحداث التغيير ــ كان لديهم من العلم والمعرفة والقدرة والإرادة ما يمكنهم من التحدى والمجازفة وتطويع الآليات الحديثة لمرواغة النظام ثم الشجاعة اللازمة والاستعداد للتضحية حتى أن هزم النظام.

أما السبب الأقوى لنجاح هذه الثورة، كما يمكن لقارئ كتاب غنيم أن يرى، كانت فى أن هذه الثورة كانت من صنع كل من شارك فيها ــ رغم لحظات البحث عن الزعامة مع وصول البرادعى الذى قبل أن يكون مبشرًا بالتغيير ولكنه لم يكن يسعى لأن يكون المخلص، كما يروى غنيم الذى ساهم فى تأسيس صفحة «البرادعى رئيسا لمصر فى 2011» قبل أن تستحوذ عليه صحفة «كلنا خالد سعيد» فكانت الثانية وليست الأولى هى العقل الجماعى لثورة يناير.

ولأن كما يذكر غنيم «فالمصريون فى الحقيقة لطالموا انخرطوا فى الإعراب عن آراء سياسية ولكن بشكل سلبى فقط على نظام التعليم والرعاية الصحية والأوضاع الاقتصادية والبطالة والانتهاكات الفظيعة التى ترتكبها الشرطة والرشوة والفساد»، وبالتالى فعندما وجدوا الألفة فى تحويل هذا الاعتراض السلبى الذى كانوا يمارسونه فرادى إلى اعتراض جماعى إيجابى كانت الثورة، غير المتوقعة رغم سابق الاعلان عنها، التى قصمت طول بقاء مبارك فى الحكم ووأدت آمال جمال مبارك فى خلافة والده.

ليست رواية شخصية

رغم أن كتاب غنيم هو روايته لما حدث، ورغم أن فى الكتاب لمحات من تفاصيل وتقييمات شخصية عن غنيم نفسه وحياته وأسرته، غير أن الكتاب يبقى دومًا بعيدًا عن شخصنة الحكاية التى هى بامتياز حكاية جماعية.

فغنيم يتحدث عن نفسه وأصدقائه فى مدرسة الأورمان الثانوية وعن نفسه وأقرانه من مؤسسى صفحة «البرادعى رئيسا لمصر 2011» وعن نفسه ونادين وهاب، المصرية الأمريكية التى كانت لها شجاعة أن تكون الاسم المعلن والمسئول أمام إدارة الفيس بوك عن صفحة «كلنا خالد سعيد»، وعن نفسه ومصطفى النجار وأحمد ماهر وهم يتحاورون مع رموز نظام مبارك، من عمر سليمان وحسام البدراوى عضو الحزب الوطنى وأمينه العام المكلف خلال الأيام الأخيرة من الثورة، وأحمد شفيق رئيس وزراء مبارك أيام الثورة، من أجل سلامة الميدان ومطالبه وعلى رأسها تنحى مبارك.

ما يرويه غنيم يحمل بعض الانطباعات الشخصية ويسجل بعض المواقف التى لا يرى القارئ فيها غير غنيم نفسه ولكنه فى الأغلب يبدو أمام القارئ، سواء على الشبكة العنكبوتية أو فى الشارع أو فى أى مكان آخر، مع اخرين لهم نفس الحلم ونفس المسعى.

معًا يتشاركون حول حال مصر ومآل شبابها بعد مقتل خالد سعيد، يعربون معًا عبر الفيس بوك وتويتر عن الخشية من فتنة طائفئة يزرعها النظام ويجذر لها ويتفقون معًا على عناوين للوقفات الصامتة تضامنًا مع قضية خالد سعيد وكل ضحايا التعذيب ويتفقون معًا على عنوان للتظاهرات التى قرروا معا اطلاقها يوم 25 يناير واتفقوا على شعاراتها التى لم يكن من بينها «الشعب يريد اسقاط النظام» ولكن ما إن استعارها البعض من الثورة التونسية الملهمة حتى تداعى الجميع مرددا: الشعب يريد اسقاط النظام، وصولا إلى نداء «ارحل يعنى امشى ياللى ما بتفهامش» ــ إلى أن فهم من لم يكن يفهم ما كان يقوله شعبه إلى أن تعالت أصوات الشعب الذى كسر حاجز الخوف حتى صمت آذنيه، كما يقول غنيم.

«لقد كان كل واحد بطلًا فى ذاته»، هكذا يقرر غنيم فى حديثه عن الثورة جماعية القيادة بينما يهدى كتابه «لكل مصرى ومصرية من الذين تحلوا بالشجاعة وقدموا أكبر التضيحات» كما لكل ابناء الشعب المصرى والشعب التونسى وغيرهم من أبناء الشعوب العربية الناهضة فى ربيع سياسى ملهم للتاريخ وأيضًا لأجيال قادمة تسعى نحو غد أفضل كانت ثورة يناير هى فاتحة الطريق إليه.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad