عمر طاهر يكتب : لف وارجع تانى



يمكن تلخيص بيان البرادعى وموقفه الأخير فى هذه الجملة.. لكن مَن المقصود بها؟
هل يستطيع الشعب أن يلف ويرجع تانى وهو الراضى بقليله ويؤمن أن الثورة (اتعشّت كده خلاص) ولا يوجد داعٍ لأى نضال ثورى ودعونا نعطى الفرص لاختيار الشعب؟ أليست هذه هى الديمقراطية يا ثوار؟، الشعب الذى تعايرك أغلبيته بالديمقراطية التى تحلم بها هل يستطيع أن يلف ويرجع تانى؟
الأحزاب التى قامت على أساس دينى فى ظل إعلان دستورى يمنع قيام أى أحزاب على هذا الأساس، هل سترضى أن تلف وترجع تانى؟ بعد أن أصبحت مقاليد الحكم تحت السيطرة (تقريبا) وأحكموا قبضتهم على مصير البلاد فى الفترة القادمة، هل سيعترفون بأن ما بُنى على باطل فهو باطل، وأنهم خالفوا قاعدة دستورية بشكل سافر تهدم العملية من أساسها؟
المجلس العسكرى الذى قاد البلاد دون تفويض شعبى، وبذل كل الجهد الملتف غير المشروع (تقريبا) للحصول على شرعية شعبية بالتخويف والترهيب وبث الشائعات، وكان كل همه أن يؤكد وجوده ويؤمِّن مستقبله، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الصف السياسى ووضوح الرؤية فى ما يتعلق بالمستقبل، المجلس الذى هَرانا اختراعات لم ينجح منها اختراع واحد من أول الاستفتاء، مرورا بالوثيقة، نهاية بسارية العَلَم المحلق فى سماء العاصمة، المجلس الذى يحتمى فى كيان الجيش احتماء صاحب محلات «التوحيد والنور» فى الإسلام، ويجرّم الحديث عن خروج آمن، ويجز على أسنانه وهو يقول إنه فوق المساءلة، المجلس الذى لم ولن نعرف يوما (هو عايز إيه بالضبط)، هل سيلف ويرجع تانى ويبدأ من الأول فيعترف بالثورة كما ينبغى للثورات أن تكون، لا على فلسفته هو الشخصية للثورة القائمة على فكرة (الصلح خير قوم نتصالح)؟
الناس الذين تتم محاكمتهم جنائيا على قتل المتظاهرين فى شكل مسرحى مبهر سيقود إلى البراءة بلا شك، لأنك تحاكمهم وكأنهم متهمون فى قضية شيكات تنشغل خلالها بالبحث عن صحة توقيع وتتغافل عن جرائم ثلاثين عاما مضت، هل سيرضى واحد من قادة البلاد أن يلفوا بيهم ويرجعوا تانى فيحاكموهم محاكمة ثورية على العقول والضمائر التى قتلوها والبلد الذى ضاع على أياديهم؟ وهو ما يسهل إثباته أكثر من إثبات إصدارهم أمرا بقتل الأبرياء.
الضحايا على مستويات عدة تبدأ بفقدان البصر ولا تنتهى بحرق الكرامة، هل سنقدر على إقناعهم بأن يلفوا ويرجعوا تانى ويعودوا للنضال على أن لا يتعرض لهم أحد بسوء فى المرة القادمة؟
المطبلاتية الذى يقومون بمجهود انتحارى لغسل وجه المجلس طول الوقت ويعلمون أنهم يسيرون فى سكة دون رجعة، ويحاربون ببسالة حتى لا تعود الثورة، لأنها إذا عادت ستضعهم على رأس قائمة سوداء لن ينعم واحد منها بالراحة حيًّا أو فى كتب التاريخ، هؤلاء المطبلاتية هل سيقدر واحد منهم أن يلف ويرجع تانى فيُحكّم ضميره فى تقييم الأمور وينحاز إلى الحق قبل أن ينحاز إلى الميرى بالفطرة؟
كل من كسب سنتيمترا واحدا خلال العام الماضى فى ظل صفقة أو شو إعلامى أو تجريح فى الآخرين أو بالركوب على الثورة، هل سيقدر واحد منهم على أن يلف ويرجع تانى ويتنازل عمّا كسبه فى غفلة من الزمن ليبدأ من جديد على نظافة؟
طبعا ولا واحد من السابق ذكرهم سيستجيب لدعوة البرادعى، ليصبح الحمل أكثر ثقلا على أهل الثورة فهم وحدهم الذين ما زالوا عطشى للتغيير الحقيقى، لا تغيير المنجِّدين الذى تقوم به الأغلبية (تغيير المنجِّدين مستوحَى من سمير غانم فى مسرحية «المتزوجون» عندما قال لزوجته: وهو المنجِّد بيعمل إيه يعنى؟ بيجيب القطن من هِنا لهِنا، طب أهوه.. ثم أزاح القطن بقدمه من ناحية إلى الأخرى).
بيان البرادعى فى ظاهره نبل محبَط لكن فى باطنه كلمة حق ملهِمة.. بيان البرادعى نسخة من البرادعى نفسه.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad